فصل: فصل: كل نكاح أجمع على بطلانه كنكاح خامسة فهو زنا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

وكل نكاح أجمع على بطلانه كنكاح خامسة‏,‏ أو متزوجة أو معتدة أو نكاح المطلقة ثلاثا‏,‏ إذا وطئ فيه عالما بالتحريم فهو زنى موجب للحد المشروع فيه قبل العقد‏,‏ وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وصاحباه‏:‏ لا حد فيه لما ذكروه في الفصل الذي قبل هذا وقال النخعي‏:‏ يجلد مائة ولا ينفى ولنا ما ذكرناه فيما مضى‏,‏ وروى أبو نصر المروذي بإسناده عن عبيد بن نضلة قال‏:‏ رفع إلى عمر بن الخطاب امرأة تزوجت في عدتها‏,‏ فقال‏:‏ هل علمتما‏؟‏ فقالا‏:‏ لا قال‏:‏ لو علمتما لرجمتكما فجلده أسواطا ثم فرق بينهما وروى أبو بكر بإسناده عن خلاس‏,‏ قال‏:‏ رفع إلى على عليه السلام امرأة تزوجت ولها زوج كتمته‏,‏ فرجمها وجلد زوجها الآخر مائة جلدة فإن لم يعلم تحريم ذلك فلا حد عليه‏,‏ لعذر الجهل ولذلك درأ عمر عنهما الحد لجهلهما‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجب الحد بالوطء في نكاح مختلف فيه كنكاح المتعة‏,‏ والشغار والتحليل والنكاح بلا ولى ولا شهود‏,‏ ونكاح الأخت في عدة أختها البائن ونكاح الخامسة في عدة الرابعة البائن ونكاح المجوسية وهذا قول أكثر أهل العلم لأن الاختلاف في إباحة الوطء فيه شبهة‏,‏ والحدود تدرأ بالشبهات قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبه‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجب الحد بوطء جارية مشتركة بينه بين غيره وبه قال مالك والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وقال أبو ثور‏:‏ يجب ولنا أنه فرج له ملك فلا يحد بوطئه‏,‏ كالمكاتبة والمرهونة‏.‏

فصل‏:‏

وإن اشترى أمه أو أخته من الرضاعة ونحوهما ووطئهما فذكر القاضي عن أصحابنا‏,‏ أن عليه الحد لأنه فرج لا يستباح بحال فوجب الحد بالوطء كفرج الغلام وقال بعض أصحابنا‏:‏ لا حد فيه وهو قول أصحاب الرأي‏,‏ والشافعي لأنه وطء في فرج مملوك له يملك المعاوضة عنه وأخذ صداقه‏,‏ فلم يجب به الحد كوطء الجارية المشتركة فأما إن اشترى ذات محرمه من النسب ممن يعتق عليه‏,‏ ووطئها فعليه الحد لا نعلم فيه خلافا لأن الملك لا يثبت فيها فلم توجد الشبهة‏.‏

فصل‏:‏

فإن زفت إليه غير زوجته‏,‏ وقيل‏:‏ هذه زوجتك فوطئها يعتقدها زوجته فلا حد عليه لا نعلم فيه خلافا وإن لم يقل له‏:‏ هذه زوجتك أو وجد على فراشه امرأة ظنها امرأته أو جاريته‏,‏ فوطئها أو دعا زوجته أو جاريته فجاءته غيرها‏,‏ فظنها المدعوة فوطئها أو اشتبه عليه ذلك لعماه فلا حد عليه وبه قال الشافعي وحكى عن أبي حنيفة‏,‏ أن عليه الحد لأنه وطئ في محل لا ملك له فيه ولنا أنه وطء اعتقد إباحته بما يعذر مثله فيه فأشبه ما لو قيل له‏:‏ هذه زوجتك ولأن الحدود تدرأ بالشبهات‏,‏ وهذه من أعظمها فأما إن دعا محرمة عليه فأجابه غيرها فوطئها يظنها المدعوة‏,‏ فعليه الحد سواء كانت المدعوة ممن له فيها شبهة كالجارية المشتركة‏,‏ أو لم يكن لأنه لا يعذر بهذا فأشبه ما لو قتل رجلا يظنه ابنه أو عبده فبان أجنبيا‏.‏

فصل‏:‏

ولا حد على من لم يعلم تحريم الزنى قال عمر‏,‏ وعثمان وعلى لا حد إلا على من علمه وبهذا قال عامة أهل العلم فإن ادعى الزاني الجهل بالتحريم‏,‏ وكان يحتمل أن يجهله كحديث العهد بالإسلام والناشئ ببادية قبل منه لأنه يجوز أن يكون صادقًا‏,‏ وإن كان ممن لا يخفى عليه ذلك كالمسلم الناشئ بين المسلمين وأهل العلم‏,‏ لم يقبل لأن تحريم الزنى لا يخفى على من هو كذلك فقد علم كذبه وإن ادعى الجهل بفساد نكاح باطل قبل قوله لأن عمر قبل قول المدعى الجهل بتحريم النكاح في العدة‏,‏ ولأن مثل هذا يجهل كثيرا ويخفى على غير أهل العلم‏.‏

فصل‏:‏

فإن وطئ جارية غيره فهو زان سواء كان بإذنه أو غير إذنه لأن هذا مما لا يستباح بالبذل والإباحة‏,‏ وعليه الحد إلا في موضعين أحدهما الأب إذا وطئ جارية ولده فإنه لا حد عليه في قول أكثر أهل العلم منهم مالك‏,‏ وأهل المدينة والأوزاعي والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وقال أبو ثور وابن المنذر‏:‏ عليه الحد إلا أن يمنع منه إجماع لأنه وطء في غير ملك‏,‏ أشبه وطء جارية أبيه ولنا أنه وطء تمكنت الشبهة منه فلا يجب به الحد‏,‏ كوطء الجارية المشتركة والدليل على تمكن الشبهة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏أنت ومالك لأبيك‏)‏ فأضاف مال ولده إليه وجعله له‏,‏ فإذا لم تثبت حقيقة الملك فلا أقل من جعله شبهة دارئة للحد الذي يندرئ بالشبهات ولأن القائلين بانتفاء الحد في عصر مالك‏,‏ والأوزاعي ومن وافقهما قد اشتهر قولهم‏,‏ ولم يعرف لهم مخالف فكان ذلك إجماعا ولا حد على الجارية لأن الحد انتفى عن الواطئ لشبهة الملك‏,‏ فينتفي عن الموطوءة كوطء الجارية المشتركة ولأن الملك من قبيل المتضايفات إذا ثبت في أحد المتضايفين ثبت في الآخر‏,‏ فكذلك شبهته ولا يصح القياس على وطء جارية الأب لأنه لا ملك للولد فيها ولا شبهة ملك‏,‏ بخلاف مسألتنا وذكر ابن أبي موسى قولا في وطء جارية الأب والأم أنه لا يحد لأنه لا يقطع بسرقة ماله أشبه الأب والأول أصح‏,‏ وعليه عامة أهل العلم فيما علمناه‏.‏

فصل‏:‏

ولا حد على مكرهة في قول عامة أهل العلم روي ذلك عن عمر والزهري وقتادة‏,‏ والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا وذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏عفي لأمتي عن الخطأ‏,‏ والنسيان وما استكرهوا عليه‏)‏ وعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه ‏(‏أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدرأ عنها الحد‏)‏ رواه الأثرم قال‏:‏ وأتى عمر بإماء من إماء الإمارة‏,‏ استكرههن غلمان من غلمان الإمارة فضرب الغلمان ولم يضرب الإماء وروى سعيد بإسناده عن طارق بن شهاب‏:‏ قال‏:‏ أتى عمر بامرأة قد زنت‏,‏ فقالت‏:‏ إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم على فخلى سبيلها ولم يضربها ولأن هذا شبهة‏,‏ والحدود تدرأ بالشبهات ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها وبين الإكراه بالتهديد بالقتل ونحوه نص عليه أحمد‏,‏ في راع جاءته امرأة قد عطشت فسألته أن يسقيها‏,‏ فقال لها‏:‏ أمكنيني من نفسك قال‏:‏ هذه مضطرة وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن امرأة استسقت راعيا فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت‏,‏ فرفع ذلك إلى عمر فقال لعلي‏:‏ ما ترى فيها‏؟‏ قال‏:‏ إنها مضطرة فأعطاها عمر شيئا وتركها‏.‏

فصل‏:‏

وإن أكره الرجل فزنى‏,‏ فقال أصحابنا‏:‏ عليه الحد وبه قال محمد بن الحسن وأبو ثور لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار والإكراه ينافيه فإذا وجد الانتشار انتفى الإكراه‏,‏ فيلزمه الحد كما لو أكره على غير الزنى فزنى وقال أبو حنيفة‏:‏ إن أكرهه السلطان‏,‏ فلا حد عليه وإن أكرهه غيره حد استحسانا وقال الشافعي‏,‏ وابن المنذر‏:‏ لا حد عليه لعموم الخبر ولأن الحدود تدرأ بالشبهات والإكراه شبهة‏,‏ فيمنع الحد كما لو كانت امرأة يحققه أن الإكراه‏,‏ إذا كان بالتخويف أو بمنع ما تفوت حياته بمنعه كان الرجل فيه كالمرأة‏,‏ فإذا لم يجب عليها الحد لم يجب عليه وقولهم‏:‏ إن التخويف ينافي الانتشار لا يصح لأن التخويف بترك الفعل والفعل لا يخاف منه‏,‏ فلا يمنع ذلك وهذا أصح الأقوال - إن شاء الله تعالى - ‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن تلوط قتل‏,‏ بكرا كان أو ثيبا في إحدى الروايتين والأخرى حكمه حكم الزاني‏]‏

أجمع أهل العلم على تحريم اللواط‏,‏ وقد ذمه الله تعالى في كتابه وعاب من فعله وذمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 80‏:‏ 81‏]‏‏.‏ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏لعن الله من عمل عمل قوم لوط‏,‏ لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط‏)‏ واختلفت الرواية عن أحمد - رحمه الله - في حده فروى عنه أن حده الرجم بكرا كان أو ثيبا وهذا قول علي‏,‏ وابن عباس وجابر بن زيد وعبد الله بن معمر‏,‏ والزهري وأبي حبيب وربيعة‏,‏ ومالك وإسحاق وأحد قولي الشافعي والرواية الثانية‏,‏ أن حده حد الزاني وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والحسن‏,‏ والنخعي وقتادة والأوزاعي‏,‏ وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور‏,‏ وهو المشهور من قولي الشافعي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان‏)‏ ولأنه إيلاج فرج آدمي في فرج آدمي لا ملك له فيه‏,‏ ولا شبهة ملك فكان زنى كالإيلاج في فرج المرأة إذا ثبت كونه زنا دخل في عموم الآية والأخبار فيه‏,‏ ولأنه فاحشة فكان زنى كالفاحشة بين الرجل والمرأة وروى عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أنه أمر بتحريق اللوطي وهو قول ابن الزبير لما روى صفوان بن سليم‏,‏ عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض ضواحى العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة فكتب إلى أبي بكر فاستشار أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ الصحابة فيه‏,‏ فكان على أشدهم قولا فيه فقال‏:‏ ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله بها أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بذلك‏,‏ فحرقه وقال الحكم وأبو حنيفة‏:‏ لا حد عليه لأنه ليس بمحل الوطء أشبه غير الفرج ووجه الرواية الأولى‏,‏ قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به‏)‏ رواه أبو داود وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فارجموا الأعلى والأسفل‏)‏ ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنهم أجمعوا على قتله‏,‏ وإنما اختلفوا في صفته واحتج أحمد رضي الله عنه بقول على عليه السلام وأنه كان يرى رجمه ولأن الله تعالى عذب قوم لوط بالرجم‏,‏ فينبغي أن يعاقب من فعل فعلهم بمثل عقوبتهم وقول من أسقط الحد عنه يخالف النص والإجماع وقياس الفرج على غيره لا يصح لما بينهما من الفرق إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يكون في مملوك له أو أجنبى لأن الذكر ليس بمحل لوطء الذكر‏,‏ فلا يؤثر ملكه له ولو وطئ زوجته أو مملوكته في دبرها كان محرما ولا حد فيه لأن المرأة محل للوطء في الجملة‏,‏ وقد ذهب بعض العلماء إلى حله فكان ذلك شبهة مانعة من الحد بخلاف التلوط‏.‏

فصل‏:‏

وإن تدالكت امرأتان‏,‏ فهما زانيتان ملعونتان لما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان‏:‏‏)‏ ولا حد عليهما لأنه لا يتضمن إيلاجا فأشبه المباشرة دون الفرج‏,‏ وعليهما التعزير لأنه زنى لا حد فيه فأشبه مباشرة الرجل المرأة من غير جماع ولو باشر الرجل المرأة استمتع بها فيما دون الفرج‏,‏ فلا حد عليه لما روى ‏(‏أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال‏:‏ يا رسول الله إني لقيت امرأة فأصبت منها كل شيء إلا الجماع فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏أقم الصلاة‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 78‏]‏‏.‏ الآية فقال الرجل‏:‏ ألى هذه الآية‏؟‏ فقال‏:‏ لمن عمل بها من أمتي‏)‏ رواه النسائي ولو وجد رجل مع امرأة‏,‏ يقبل كل واحد منهما صاحبه ولم يعلم هل وطئها أو لا فلا حد عليهما‏,‏ فإن قالا‏:‏ نحن زوجان واتفقا على ذلك فالقول قولهما وبه قال الحكم‏,‏ وحماد والشافعي وأصحاب الرأي وإن شهد عليهما بالزنى‏,‏ فقالا‏:‏ نحن زوجان فعليهما الحد إن لم تكن بينة بالنكاح وبه قال أبو ثور وابن المنذر لأن الشهادة بالزنى تنفي كونهما زوجين فلا تبطل بمجرد قولهما ويحتمل أن يسقط الحد إذا لم يعلم كونها أجنبية منه لأن ما ادعياه محتمل‏,‏ فيكون ذلك شبهة كما لو شهد عليه بالسرقة فادعى أن المسروق ملكه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن أتى بهيمة أدب‏,‏ وأحسن أدبه وقتلت البهيمة‏]‏

اختلفت الرواية عن أحمد في الذي يأتي البهيمة‏,‏ فروى عنه أنه يعزر ولا حد عليه روى ذلك عن ابن عباس‏,‏ وعطاء والشعبي والنخعي والحكم‏,‏ ومالك والثوري وأصحاب الرأي وإسحاق‏,‏ وهو قول للشافعي والرواية الثانية حكمه حكم اللائط سواء وقال الحسن‏:‏ حده حد الزاني وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن‏:‏ يقتل هو والبهيمة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏من أتى بهيمة فاقتلوه‏,‏ واقتلوها معه‏)‏ رواه أبو داود ووجه الرواية الأولى أنه لم يصح فيه نص ولا يمكن قياسه على الوطء في فرج الآدمي لأنه لا حرمه لها‏,‏ وليس بمقصود يحتاج في الزجر عنه إلى الحد فإن النفوس تعافه وعامتها تنفر منه‏,‏ فبقي على الأصل في انتفاء الحد والحديث يرويه عمرو بن أبي عمرو ولم يثبته أحمد وقال الطحاوي‏:‏ هو ضعيف ومذهب ابن عباس خلافه وهو الذي روى عنه قال أبو داود‏:‏ هذا يضعف الحديث عنه‏,‏ قال إسماعيل بن سعيد‏:‏ سألت أحمد عن الرجل يأتي البهيمة فوقف عندها ولم يثبت حديث عمرو بن أبي عمرو في ذلك ولأن الحد يدرأ بالشبهات‏,‏ فلا يجوز أن يثبت بحديث فيه هذه الشبهة والضعف وقول الخرقي‏:‏ أدب وأحسن أدبه يعني يعزر ويبالغ في تعزيره لأنه وطء في فرج محرم‏,‏ لا شبهة له فيه لم يوجب الحد فأوجب التعزير‏,‏ كوطء الميتة‏.‏

فصل‏:‏

ويجب قتل البهيمة وهذا قول أبي سلمة بن عبد الرحمن وأحد قولي الشافعي وسواء كانت مملوكة له أو لغيره مأكولة أو غير مأكولة قال أبو بكر‏:‏ الاختيار قتلها‏,‏ وإن تركت فلا بأس وقال الطحاوي إن كانت مأكولة ذبحت وإلا لم تقتل وهذا قول ثان للشافعي ‏(‏لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذبح الحيوان لغير مأكلة‏)‏ ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏من أتى بهيمة‏,‏ فاقتلوه واقتلوا البهيمة‏)‏ ولم يفرق بين كونها مأكولة أو غير مأكولة ولا بين ملكه وملك غيره فإن قيل‏:‏ الحديث ضعيف‏,‏ ولم يعملوا به في قتل الفاعل الجاني ففي حق حيوان لا جناية منه أولى قلنا‏:‏ إنما يعمل به في قتل الفاعل على إحدى الروايتين لوجهين أحدهما‏,‏ أنه حد والحدود تدرأ بالشبهات وهذا إتلاف مال‏,‏ فلا تؤثر الشبهة فيه والثاني‏:‏ أنه إتلاف آدمي وهو أعظم المخلوقات حرمة فلم يجز التهجم على إتلافه إلا بدليل في غاية القوة‏,‏ ولا يلزم مثل هذا في إتلاف مال ولا حيوان سواه إذا ثبت هذا فإن الحيوان إن كان للفاعل‏,‏ ذهب هدرا وإن كان لغيره فعلى الفاعل غرامته لأنه سبب إتلافه‏,‏ فيضمنه كما لو نصب له شبكة فتلف بها ثم إن كانت مأكولة فهل يباح أكلها‏؟‏ على وجهين وللشافعي أيضا في ذلك وجهان أحدهما‏,‏ يحل أكلها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أحلت لكم بهيمة الأنعام‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 1‏]‏‏.‏ ولأنه حيوان من جنس يجوز أكله ذبحه من هو من أهل الذكاة فحل أكله‏,‏ كما لو لم يفعل به هذا الفعل ولكن يكره أكله لشبهة التحريم والوجه الثاني‏:‏ لا يحل أكلها لما روى عن ابن عباس أنه قيل له‏:‏ ما شأن البهيمة‏؟‏ قال‏:‏ ما أراه قال ذلك‏,‏ إلا أنه كره أكلها وقد فعل بها ذلك الفعل ولأنه حيوان يجب قتله لحق الله تعالى فلم يجز أكله‏,‏ كسائر المقتولات واختلف في علة قتلها فقيل‏:‏ إنما قتلت لئلا يعير فاعلها‏,‏ ويذكر برؤيتها وقد روى ابن بطة بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة قالوا‏:‏ يا رسول الله ما بال البهيمة‏؟‏ قال‏:‏ لا يقال هذه وهذه‏)‏ وقيل‏:‏ لئلا تلد خلقا مشوها وقيل‏:‏ لئلا تؤكل وإليها أشار ابن عباس في تعليله ولا يجب قتلها حتى يثبت هذا العمل بها ببينة‏,‏ فأما إن أقر الفاعل فإن كانت البهيمة له ثبت بإقراره‏,‏ وإن كانت لغيره لم يجز قتلها بقوله لأنه إقرار على ملك غيره فلم يقبل‏,‏ كما لو أقر بها لغير مالكها وهل يثبت هذا بشاهدين عدلين وإقرار مرتين أو يعتبر فيه ما يعتبر في الزنى‏؟‏ على وجهين‏,‏ نذكرهما في موضعهما - إن شاء الله تعالى - ‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والذي يجب عليه الحد ممن ذكرت‏,‏ من أقر بالزنى أربع مرات‏]‏

وجملته أن الحد لا يجب إلا بأحد شيئين إقرار أو بينة فإن ثبت بإقرار اعتبر إقرار أربع مرات وبهذا قال الحكم وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي وقال الحسن‏,‏ وحماد ومالك والشافعي‏,‏ وأبو ثور وابن المنذر‏:‏ يحد بإقرار مرة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت‏,‏ فارجمها‏)‏ واعتراف مرة اعتراف وقد أوجب عليها الرجم به ورجم الجهنية وإنما اعترفت مرة وقال عمر‏:‏ إن الرجم حق واجب على من زنى وقد أحصن‏,‏ إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ولأنه حق‏,‏ فيثبت باعتراف مرة كسائر الحقوق ولنا ما روى أبو هريرة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏أتى رجل من الأسلميين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد فقال‏:‏ يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه‏,‏ فتنحى تلقاء وجهه فقال‏:‏ يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه‏,‏ فتنحى تلقاء وجهه فقال‏:‏ يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه‏,‏ حتى ثني ذلك أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال‏:‏ أبك جنون‏؟‏ قال‏:‏ لا قال‏:‏ فهل أحصنت‏؟‏ قال‏:‏ نعم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ارجموه‏)‏ متفق عليه ولو وجب الحد بمرة‏,‏ لم يعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يجوز ترك حد وجب لله تعالى وروى نعيم بن هزال حديثه وفيه‏:‏ ‏(‏حتى قالها أربع مرات فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ إنك قد قلتها أربع مرات‏,‏ فبمن‏؟‏ قال بفلانة‏)‏ رواه أبو داود وهذا تعليل منه يدل على أن إقرار الأربع هي الموجبة وروى أبو برزة الأسلمي ‏(‏أن أبا بكر الصديق قال له عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ إن أقررت أربعا رجمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏)‏ وهذا يدل من وجهين أحدهما‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقره على هذا ولم ينكره فكان بمنزلة قوله لأنه لا يقر على الخطإ الثاني‏:‏ أنه قد علم هذا من حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - لولا ذلك ما تجاسر على قوله بين يديه فأما أحاديثهم‏,‏ فإن الاعتراف لفظ المصدر يقع على القليل والكثير وحديثنا يفسره ويبين أن الاعتراف الذي يثبت به كان أربعا‏.‏

فصل‏:‏

وسواء كان في مجلس واحد‏,‏ أو مجالس متفرقة قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن الزاني يردد أربع مرات‏؟‏ قال‏:‏ نعم على حديث ماعز‏,‏ هو أحوط قلت له‏:‏ في مجلس واحد أو في مجالس شتى‏؟‏ قال‏:‏ أما الأحاديث فليست تدل إلا على مجلس واحد‏,‏ إلا ذاك الشيخ بشير بن مهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه‏,‏ وذاك عندي منكر الحديث وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يثبت إلا بأربع إقرارات في أربعة مجالس لأن ماعزا أقر في أربعة مجالس ولنا‏,‏ أن الحديث الصحيح إنما يدل على أنه أقر أربعا في مجلس واحد وقد ذكرنا الحديث ولأنه إحدى حجتي الزنى فاكتفى به في مجلس واحد‏,‏ كالبينة‏.‏

فصل‏:‏

يعتبر في صحة الإقرار أن يذكر حقيقة الفعل لتزول الشبهة لأن الزنى يعبر عما ليس بموجب للحد وقد روى ابن عباس ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لماعز‏:‏ لعلك قبلت أو غمزت‏,‏ أو نظرت قال‏:‏ لا قال‏:‏ أفنكتها لا يكنى قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فعند ذلك أمر برجمه‏)‏ رواه البخاري وفي رواية عن أبي هريرة ‏(‏قال‏:‏ أفنكتها‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ حتى غاب ذاك منك في ذاك منها‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فهل تدري ما الزنى‏؟‏ قال‏:‏ نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا‏)‏ وذكر الحديث رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏

فإن أقر أنه زنى بامرأة فكذبته‏,‏ فعليه الحد دونها وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأبو يوسف‏:‏ لا حد عليه لأنا صدقناها في إنكارها فصار محكوما بكذبه ولنا‏,‏ ما روى أبو داود بإسناده عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏(‏أن رجلا أتاه‏,‏ فأقر عنده أنه زنى بامرأة فسماها له فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المرأة‏,‏ فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها‏)‏ ولأن انتفاء ثبوته في حقها لا يبطل إقراره‏,‏ كما لو سكتت أو كما لو لم يسأل ولأن عموم الخبر يقتضي وجوب الحد عليه باعترافه‏,‏ وهو قول عمر‏:‏ إذا كان الحبل أو الاعتراف وقولهم‏:‏ إننا صدقناها في إنكارها لا يصح فإننا لم نحكم بصدقها وانتفاء الحد إنما كان لعدم المقتضى‏,‏ وهو الإقرار أو البينة لا لوجود التصديق بدليل ما لو سكتت أو لم تكمل البينة إذا ثبت هذا‏,‏ فإن الحر والعبد والبكر والثيب في الإقرار سواء لأنه أحد حجتي الزنى‏,‏ فاستوى فيه الكل كالبينة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وهو بالغ صحيح عاقل‏]‏

أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد وصحة الإقرار لأن الصبي والمجنون قد رفع القلم عنهما‏,‏ ولا حكم لكلامهما وقد روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن وفي حديث ابن عباس في قصة ماعز ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل قومه‏:‏ أمجنون هو‏؟‏ قالوا‏:‏ ليس به بأس‏)‏ وروى ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له حين أقر عنده‏:‏ أبك جنون‏؟‏‏)‏ وقد روى أبو داود بإسناده قال‏:‏ أتى عمر بمجنونة قد زنت‏,‏ فاستشار فيها أناسا فأمر بها عمر أن ترجم فمر بها علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فقال‏:‏ ما شأن هذه‏؟‏ قالوا‏:‏ مجنونة آل فلان زنت‏,‏ فأمر بها عمر أن ترجم فقال‏:‏ ارجعوا بها ثم أتاه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة عن المجنون حتى يبرأ‏,‏ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يعقل‏؟‏ قال‏:‏ بلى قال‏:‏ فما بال هذه‏؟‏ قال‏:‏ لا شيء قال‏:‏ فأرسلها فأرسلها قال‏:‏ فجعل عمر يكبر‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان يجن مرة ويفيق أخرى فأقر في إفاقته أنه زنى وهو مفيق‏,‏ أو قامت عليه بينة أنه زنى في إفاقته فعليه الحد لا نعلم في هذا خلافا وبهذا قال الشافعي وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي لأن الزنى الموجب للحد وجد منه في حال تكليفه والقلم غير مرفوع عنه وإقراره وجد في حال اعتبار كلامه فإن أقر في إفاقته‏,‏ ولم يضفه إلى حال أو شهدت عليه البينة بالزنى ولم تضفه إلى حال إفاقته‏,‏ لم يجب الحد لأنه يحتمل أنه وجد في حال جنونه فلم يجب الحد مع الاحتمال وقد روى أبو داود في حديث المجنونة التي أتى بها عمر‏,‏ أن عليا قال‏:‏ إن هذه معتوهة بني فلان لعل الذي أتاها أتاها في بلائها فقال عمر‏:‏ لا أدري فقال على‏:‏ وأنا لا أدرى‏.‏

فصل‏:‏

والنائم مرفوع عنه القلم فلو زنى بنائمة‏,‏ أو استدخلت امرأة ذكر نائم أو وجد منه الزنى حال نومه فلا حد عليه لأن القلم مرفوع عنه ولو أقر في حال نومه‏,‏ لم يلتفت إلى إقراره لأن كلامه ليس بمعتبر ولا يدل على صحة مدلوله فأما السكران ونحوه فعليه حد الزنى والسرقة والشرب والقذف‏,‏ إن فعل ذلك في سكره لأن الصحابة رضي الله عنهم أوجبوا عليه حد الفرية لكون السكر مظنة لها ولأنه تسبب إلى هذه المحرمات بسبب لا يعذر فيه‏,‏ فأشبه من لا عذر له ويحتمل أن لا يجب الحد لأنه غير عاقل فيكون ذلك شبهة في درء ما يندرئ بالشبهات ولأن طلاقه لا يقع في رواية‏,‏ فأشبه النائم والأول أولى لأن إسقاط الحد عنه يفضي إلى أن من أراد فعل هذه المحرمات شرب الخمر وفعل ما أحب‏,‏ فلا يلزمه شيء ولأن السكر مظنة لفعل المحارم وسبب إليه‏,‏ فقد تسبب إلى فعلها حال صحوه فأما إن أقر بالزنى وهو سكران لم يعتبر إقراره لأنه لا يدري ما يقول ولا يدل قوله على صحة خبره‏,‏ فأشبه قول النائم والمجنون وقد روى بريدة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استنكه ماعزا‏)‏ رواه أبو داود وإنما فعل ذلك ليعلم هل هو سكران أو لا ولو كان السكران مقبول الإقرار‏,‏ لما احتيج إلى تعرف براءته منه‏.‏

فصل‏:‏

فأما قوله‏:‏ وهو صحيح ففسره القاضي بالصحيح من المرض يعني أن الحد لا يجب عليه في مرضه وإن وجب فإنه إنما يقام عليه الحد بما يؤمن به تلفه‏,‏ فإن خيف ضرر عليه ضرب ضربة واحدة بضغث فيه مائة شمراخ أو عود صغير ويحتمل أنه أراد الصحيح الذي يتصور منه الوطء فلو أقر بالزنى من لا يتصور منه‏,‏ كالمجنون فلا حد عليه لأننا نتيقن أنه لا يتصور منه الزنى الموجب للحد ولو قامت به بينة‏,‏ فهي كاذبة وعليها الحد نص عليه أحمد وإن أقر الخصي أو العنين فعليه الحد وبهذا قال الشافعي‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه يتصور منه ذلك فقبل إقراره به‏,‏ كالشيخ الكبير‏.‏

فصل‏:‏

وأما الأخرس فإن لم تفهم إشارته فلا يتصور منه إقرار‏,‏ وإن فهمت إشارته فقال القاضي‏:‏ عليه الحد وهو قول الشافعي وابن القاسم صاحب مالك‏,‏ وأبي ثور وابن المنذر لأن من صح إقراره بغير الزنى صح إقراره به كالناطق وقال أصحاب أبي حنيفة‏:‏ لا يحد بإقرار ولا بينة‏,‏ لأن الإشارة تحتمل ما فهم منها وغيره فيكون ذلك شبهة في درء الحد لكونه مما يندرئ بالشبهات ولا يجب بالبينة لاحتمال أن يكون له شبهة لا يمكنه التعبير عنها ولا يعرف كونها شبهة‏,‏ ويحتمل كلام الخرقي أن لا يجب الحد بإقراره لأنه غير صحيح ولأن الحد لا يجب مع الشبهة والإشارة لا تنتفي معها الشبهات‏,‏ فأما البينة فيجب عليه بها الحد لأن قوله معها غير معتبر‏.‏